المرجع : الإطار المرجعي للتربیة الدامجة لفائدة الأطفال فی وضعیة إعاقة - مديرية المناهج 2019
القسم 3 : الهندسات الخاصة بالتعلمات حسب أصناف الإعاقة
القسم 3 : الهندسات الخاصة بالتعلمات حسب أصناف الإعاقة
المحور 5 : هندسة التعلمات الخاصة بالأطفال في وضعية إعاقة بصرية
الإعاقة البصرية
عند التكفل التربوي بالأطفال في وضعية إعاقة بصرية، لا ينبغي الاعتقاد بأن تخطيط دروس متكيفة تتضمن معارف مؤهلة للتمدرس في أقسام عادية أمر كاف، بل إن طبيعة هذه الإعاقة تستلزم الانتباه إلى الأبعاد الطبية والسيكولوجية أيضا، إضافة إلى المقاربات البيداغوجية التي ينبغي الاشتغال عليها من أجل تكييفها وملاءمتها مع طبيعة النشاط التعلمي عند هؤلاء الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية .
لذلك إن بناء هندسة تعلمية وفق طبيعة هذه الإعاقة لا يعني فقط الاشتغال على مضامين ومواد تعلمية، بقدر ما يفرض مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار إمكانيات الطفل الكفيف أو الضعيف البصر، وكذلك حدود تلك الإمكانيات التي تفرضها الجوانب الجسمية والعقلية والنفسية الوجدانية، وكذا العلائقية التي تضمن لهذا الطفل دوائر وحدود التفاعلات اليومية مع الآخر ومع المحيط، سواء داخل الأسرة أو في المدرسة أو في فضاءات المجتمع الواسع.
من ثم فإن هذا البناء بقدر ما هو انطلاق مما يمتلكه الطفل من إمكانيات ينبغي أن تشكل مدخلا للتعلمات، فهو أيضا مراعاة لما ينجم عن عدم القدرة على توظيف حاسة البصر من مشاكل على مستوى الصور الذهنية، والإدراكات والإحساس وحرية الحركة في المكان، وأيضا مقومات إدراك الذات وتقديرها، ومشاعر الاختلاف والتوترات ومحددات العلاقة مع الآخر.
وإذا كانت كثير من الحالات في تاريخ البشرية قد أكدت ما يمكن أن يصل إليه الشخص الكفيف من كفايات ومن إنتاجية ومن إبداع ومن قدرات ذهنية عالية، فإن إدراج الإعاقة البصرية ضمن هندسات تكييف التعلمات المدرسية، تحتمه ضرورة تأهيل هؤلاء الأطفال، كي يتفاعلوا في ما بعد بنفس الوتيرة والمسلك في مسار الارتقاء المدرسي الدامج، عبر مستويات التمدرس من الابتدائي إلى الجامعي .
لهذا الاعتبار يتعين التوجه التوجه في هذا المجال إلى استهداف دمج حقيقي في مسار التمدرس العادي، يبدأ من توصيف هذه الإعاقة، وتبيان طبيعتها وفئاتها، وتحديد بعض إمكانيات المتعايشين معها، وكذا بعض المثبطات التي تعوق أحيانا المسار النمائي العادي لهم، والتي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند وضع هندسة تعلمية متكيفة ودامجة لهم.
وفي هذه السيرورة الهندسية، هناك مبادئ أساسية يتعين استحضارها:
- النظر إلى إمكانيات الطفل المتعايش مع إعاقة بصرية قبل النظر إلى صعوباته؛
- الاقتناع بأنه يمكن تجاوز كثير من صعوبات الإعاقة البصرية فقط بتكييف تقنيات الاشتغال وأدواته؛
- حق الطفل الكفيف أو ضعيف البصر في أن يمتلك نفس الكفايات التي يتلقاها الطفل المبصر؛
- أهمية الانتباه إلى الكفايات النفسية-الاجتماعية أيضا في االتهييء للتعامل مع الكفايات الأساس عند تخطيط وتدبير عمليات التعلم عبر المشروع البيداغوجي الفردي لهؤلاء الأطفال، خاصة الثقة في النفس وتقدير الذات، الاستقلالية، العلاقات الاجتماعية والتواصل... والتي يجب أن يوليها المدرس(ة)أهمية بالغة بالنظر إلى تأثيرها القوي على هؤلاء الأطفال ذوي إعاقة بصرية وعلى كل مسارات تمدرسهم.
تعريف الإعاقة البصرية
ليس هناك تعريف واحد للإعاقة البصرية بحكم تعدد المعايير من جهة، وبحكم تنوع وضعيات هذه الإعاقة ودرجاتها من جهة أخرى. لذلك يتم اعتماد توصيفها في كثير من الأحيان على درجة الإبصار وعلى شساعة مجاله.
يعرف البعض الإعاقة البصرية بأنها اضطرابات مرتبطة بالوظيفة البصرية، تستمر بالرغم من تلقي العلاجات الطبية والجراحية والدوائية.
وتحدد الإعاقة البصرية، من منظور طبي، في الغالب بناء على معيارين يرتبطان بقياس أكثر العينين قدرة على الإبصار بعد عملية التصحيح، وهما:
- قياس الحدة البصرية، أي قدرة العين على تحديد جزئيات الشيء المبصَر.
- حالة المجال البصري//المساحة التي يمكن للعين غير المتحركة أن تبصرها.//تحدد المنظمة العالمية للصحة أن هناك خمس فئات من الإعاقة البصرية وهي:
• الفئة الأولى: الإعاقة البصرية المتوسطة وتسمح بممارسة الأنشطة بطريقة شبه عادية بمساعدة بسيطة
//كالنظارات، مكبر، إلخ.//...
• الفئة الثانية: الإعاقة البصرية الحادة: الاعتماد في الإبصار على دعائم خاصة، مما يسمح بالقيام بالأنشطة لكن مع بطء في الإنجاز ينجم عنه إرهاق.
• الفئة الثالثة: الإعاقة البصرية العميقة، وهي إعاقة تجعل محاولة الإبصار تعيق نشاطا عاديا وإن تم الاعتماد على دعائم تقنية.
• الفئة الرابعة: العمى شبه المطلق ويتم ضمنها الاستعانة أيضا بحواس أخرى.
• الفئة الخامسة: العمى المطلق ويكون فيها غياب مطلق لإدراك الضوء، ومن ثم يتم الاعتماد كلية على الحواس الأخرى.
ويمكن تصنيف هذه الفئات إلى فئتين عريضتين من الإعاقة البصرية وهما:
- ضعف الإبصار atteinte d’amblyopie //الفئتان الأوليان المشار إليهما أعلاه//، ويمكن الحديث عنه عندما تبلغ حدة الإبصار في أحسن العينين بعد التصحيح ما بين 10/4 و10/1 درجة.
- العمى atteinte de cécité //الفئات الثلاثة الأخيرة// وتحدث حين يكون الإبصار المجهري المصحح مساويا أو أقل من. 1/20
وتؤكد بعض الدراسات أن 14% فقط من الإعاقات البصرية تنتمي إلى خانة العمى، في حين تبقى باقي الحالات هي حالات ضعف الإبصار.
أما في ما يتعلق بسن الإصابة بالعمى، فقد توافق العديد من الدارسين على أنه يمكن الحديث عن ثلاث فئات، وهي:
• المكفوفون بالولادة//الذين لم يبصروا أبدا//؛
• المكفوفون المبكرون// الذين فقدوا إدراكهم البصري قبل سن الثالثة من عمرهم//؛
• المكفوفون المتأخرون//الذين فقدوا إدراكهم البصري بعد سن الثالثة.//
وإذا كان التعريف الطبي يركز أساسا على القصور الفيسيولوجيdéficience visuelle الذي يصيب العين وما يرتبط بها وبوظيفتها، فإن التعريف السيكوتربوي، يركز على الإعاقة الناجمة عن ذلك القصور// handicap visuel//، ويعتبرها نتيجة لخلل القدرة على الإبصار يترتب عنه اضطراب في التعامل مع معطيات الواقع، حيث تتقلص قدرات الفرد على الاستجابة لمتطلبات الحياة الفيزيقية، وأحيانا الاجتماعية والمعرفية الإدراكية. كما يمكن أن تترتب عن ذلك بعض الخصائص النفسية والانفعالية. وينحو الشخص الكفيف أو ضعيف البصر إلى تعويض حاسة البصر بحواس أخرى يحاول من خلالها بناء إدراكاته وتمثلاته للأشياء وللوقائع.
خصائص الأطفال في وضعية إعاقة بصرية
إن الأطفال في وضعية إعاقة بصرية غالبا ما يتميزون بما يلي:
• وجود بصر مضبب يعيق التعرف على التباينات وإدراك إحداثيات الأبعاد الفضائية والتضاريس والمسافات؛
• العجز عن إدراك تفاصيل الأشياء والأشخاص والكائنات، ومكونات الفضاء وأنواع الحركة؛
• صعوبات في التنقل راجعة إلى اختلال وظيفة الإدراك البصري؛
• إبصار مركزي واضح ولكن متدهور حول المحيط، مما يسمح أحيانا بإمكانات ضعيفة في قراءة الرموز والحروف والأعداد وأشكال الكتابة، مما يفرز معه وجود مشاكل في التعاطي مع المعطيات الموضوعية للتعلم، ناهيك عن مشاكل التحكم في إحداثيات المكان سواء داخل المنزل أو في الفصل الدراسي، مثل إدراك درج سلم مثلا، أو عتبة الدخول إلى القسم؛
صعوبات في تحمل النور الحاد؛
اضطراب في انعكاس التركيز //الرأرأة أو تذبذب المقلتين السريع وغير الإرادي nystagmus//؛
صعوبة إدراك الألوان؛
الاعتماد أكثر على حاستي السمع واللمس.
ويمكن القول إن الطفل في وضعية إعاقة بصرية يمكن أن يتأثر على مستوى أربعة مجالات وظيفية، تؤثر بدورها على بنيته النفسية وعلى قدراته على التوافق الدراسي، وهي:
- التوجه في المكان والتنقل والتواصل؛
- ممارسة أنشطة الحياة اليومية في شكلها التلقائي؛
- القدرة على القيام بمختلف الأنشطة التي تستلزم البصر؛
- التفاعل الحر والتلقائي مع مكونات المحيط الاجتماعي المفتوح سواء في الحياة المدرسية أو في الشارع.
غير أن درجة هذا التأثر تتحدد بحسب طبيعة وحدة اضطراب البصر، ومرحلة الإصابة ومدى وجود إعاقات أخرى إضافية. كما تتحدد بما يوفره المجال الاجتماعي من ولوجيات، وإمكانات تفاعلية مفتوحة تتجاوز، على المستوى المؤسساتي والاجتماعي خاصة منه التعليمي، مختلف أشكال التمييز السالب، وبالتالي توفير مختلف الإمكانات اللوجستية الدامجة من أجهزة وأدوات ديداكتيكية وتقنيات تربوية.
وفي كل الأحوال لا ينبغي لهذه الصعوبات أن تحجب ما يمتلك الطفل في وضعية إعاقة بصرية، من إمكانيات ينبغي الانطلاق منها واستثمارها في عملية التعلم. من هذه الإمكانيات، يمكن ذكر ما يلي:
على المستوى الجسمي:
- يتميز الطفل ذو إعاقة بصرية بإمكانات فيزيولوجية وجسدية وقدرات حركية عادية ما لم يكن مصابا بإعاقة أخرى. إلا أنه بالنظر إلى إعاقته البصرية، وعدم التفاعل الجسدي معه عبر تداريب رياضية مكيفة، فإن هذا الطفل يبقى سلوكه الحركي يتميز بالاضطراب وعدم التهديف، والمبادرة بالمحاولة والخطأ، أو السلوك المرتبك في المكان أو مع الأشياء الموضوعية؛
- يتجه الطفل ذو إعاقة بصرية إلى استعمال الأطراف في التنقل والحركة والتموقع؛
- يميل إلى استخدام باقي الحواس، وبتركيز أكثر توظيف حواس السمع والشم واللمس لاستكشاف العالم والمحيط؛
- يتميز بالقدرة على تنمية تلك الحواس وتطويرها حسب قدرة الكفيف؛
- يلاحظ لديه الاستشعار القوي للحرارة والبرودة.
على المستوى الذهني:
- أغلب الأطفال ذوي إعاقة بصرية ليست لهم مشاكل على مستوى وظائف العقل وسيرورات الاشتغال الذهني، فهم في الغالب يتمتعون بمستويات ذكاء تفوق المتوسط أحيانا، وهم قادرون على إنجاز مختلف العمليات الذهنية المركبة لغويا أو بالكتابة بطريقة برايل. كما أنهم قد يتميزون بقدرات استثنائية في بعض مجالات العلوم مثل الرياضيات والفيزياء أو في الدراسات اللغوية.
- الأطفال ذوو الإعاقة البصرية يتميزون بتفوق بارز في بعض المهارات الذهنية//قوة الذاكرة، قوة الحفظ، قوة الاستذكار.//
- غالبا ما يتجه الطفل إلى التحليل وتعرف المواضيع والمعطيات والأشياء ومكونات الفضاء، وبعض ظواهر التعلم باعتماد اللمس والسمع والكلام.
- يتميز بناء الصور الذهنية عند الأطفال ذوي الإعاقة البصرية بالاعتماد على الصوت واللمس.
- يتجه المعاق بصريا إلى التعامل مع الواقع انطلاقا من قربه من هذا الواقع واشتغاله الحسي عليه، ولهذا فأغلب استكشافاته للواقع غالبا ما تتم بالاحتكاك الجسدي والالتقاط السمعي، أو تقريب المعطى المادي الموضوعي من خلال معطيات كبيرة واضحة أو مجسمات أو نماذج قريبة من إمكاناته البصرية//خاصة لدى ضعاف البصر.
انطلاقا مما يمتلكه الطفل في وضعية إعاقة بصرية، واعتبارا لما تتطلبه المدرسة من مدخلات تشكل عتبة أساسية للتوافق الدراسي في ما بعد، فإن هذا الطفل في الغالب يكون في حاجة إلى مجموعة من القدرات المعرفية، والمهارات الجسدية والحس- حركية، والاتجاهات والمشاعر الضرورية لذلك التوافق، وبالتالي للنجاح في الاندماج ضمن المدرسة العادية في ما بعد.
إن للأطفال المكفوفين وضعاف البصر حاجيات خاصة، ترتبط بمدى قدرتهم على استخدام أو عدم استخدام إمكانياتهم البصرية، وهكذا يمكن لهذه الأخيرة أن تحد بدرجة أو بأخرى من تجربتهم الحياتية أو من وتيرة عملهم أو من تطورهم الحركي ومن قدراتهم العملية، إذا لم يتم التفكير في كيفية تجاوز ذلك من خلال إجراءات طبية أو شبه طبية أو أنشطة داعمة.
أما على مستوى التعلم المدرسي والقدرة على التهيؤ للاستجابة لمتطلبات المدرسة، فإنه يمكن تحديد أهم حاجات الأطفال ذوي الإعاقة البصرية في النقط الآتية الواردة في الجدول أسفله، مع ضرورة الإشارة إلى أن تلك الحاجات تختلف درجتها وحدتها بحسب الحالات:
//حاجات التعلم لدى طفل ذي إعاقة بصرية//
إن هذه الحاجات، كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه، تشكل الفارق بين ما يمتلكه
الطفل في وضعية إعاقة بصرية، وبين ما يتطلبه التمدرس في أقسام عادية. لذلك فإن هذه
الحاجات هو ما ينبغي الاشتغال عليه لتحقيق الدمج المدرسي المطلوب.
التعلمات الداعمة:
تعتبر التعلمات الداعمة
مجموعة من القدرات والمهارات التي تسمح بتحقيق الكفايات الأساس. إنها بالنسبة
للطفل في وضعية إعاقة بصرية اكتسابات ترتبط في الغالب بمهارات جسدية أو سيكولوجية
أو نفسية- اجتماعية من دونها يصعب اكتساب المعارف ومعارف الفعل المرتبطة بمواد
التدريس.
وفي كثير من الأحيان يعسر على المدرس تحقيق تلك الكفايات نظرا
لطابعها التخصصي، مما يحتم تدخل الأخصائيين من سيكولوجيين ومقومي النطق ومروضين
طبيين وأطباء عيون وأطباء أطفال وغيرهم.
//التعلمات الداعمة لفائدة الطفل ذي إعاقة بصرية//
ممارسات تربوية ملائمة
- إجراء عملية تفقدية لجميع مرافق المدرسة يستكشف من خلالها الطفل تلك
المرافق، ويضبط الاتجاهات والمسالك، ويختار لنفسه العلامات التي سيرتكز عليها في
توجهه الفضائي.
-
البحث مع الطفل داخل القسم عن
المكان الذي تتضح له فيه الرؤية بكيفية أحسن.
- عدم اللجوء إلى تغيير تنظيم الفصل من حين لآخر. ويستحسن عند القيام بذلك
لضرورة ما، إخبار الطفل وأخذ رأيه بعين الاعتبار، مع تدريبه على التنظيم الجديد.
- التأكد من عدم وجود أشعة ضوئية تعيق نظر الطفل، مع توفير أدوات اشتغال مكيفة
وبحجم كبير لتسهيل الرؤية.
-
تكبير حجم الكتابة على
السبورة أو على الدفاتر، مع ترك مساحة كافية بين السطور.
- السماح للطفل كل مرة بالاقتراب من السبورة أو المعينات الديداكتيكية
المستعملة لتدقيق الرؤية والتأكد مما يراه.
-
الاعتماد الأكبر معه على طرح
التعليمات شفهيا وتلقي الإجابات منه شفهيا كذلك.
- بالنسبة للمكفوف ينبغي وضع رهن إشارته نصوصا ووثائق مكتوبة بطريقة برايل،
وتلقي الإجابات المكتوبة منه بنفس الطريقة.
- المناداة على كل متعلم داخل الفصل باسمه لتمكين الكفيف من معرفة من يتكلم أو
مع من يتحدث إن كان هو الذي يتكلم.
إرسال تعليق