-->
فضاء التربية الدامجة فضاء التربية الدامجة

كل المواضيع

آخر المواضيع

كل المواضيع
كل المواضيع
جاري التحميل ...
كل المواضيع

طبيعة هندسة التعلمات المرتكزة على التربية الدامجة


القسم 2 : طبيعة هندسة التعلمات المرتكزة على التربية الدامجة 
المحور 1 : هندسة التعلمات ومرجعياتها
المرجعالإطار المرجعي للتربیة الدامجة  لفائدة الأطفال فی وضعیة إعاقة -  مديرية المناهج 2019 -

المفاهيم العامة المرتبطة بهندسة التعلمات
يتوخى الإطار المرجعي للتربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة وضع المعالم العامة لهندسة تعلمات تنصب على كيفية تدبير مختلف الأنشطة والبرامج والإجراءات التعليمية. ويمكن تحديد هذه المعالم وفقا لمخطط نسقي مترابط المكونات، يبتدئ بتحديد الحاجات، وينتهي بصيغ التساؤل بصدد مدى تحقق النتائج المتوخاة.
تتباين هندسات التعلمات وفقا للمداخل التي تتبناها والتي تحدد مسار الإنجاز. وحتى يتحقق احترام ذلك الانسجام الرابط بين مختلف مكونات الهندسة، وجب الاعتماد على مرجعية محددة تشكل المقاربة النظرية والمفاهيمية التي ستعتمد على المستويين التنظيمي والتربوي. وهذا ما سيحاول هذا القسم تحديده مستلهما من الأدبيات الواردة في هذا المجال، ومستندا إلى الصيغ المتبناة من طرف المنظمات الدولية، ومنسجما مع توجهات الدولة، وبالأخص تلك التي رسمها دستور 2011 .
تطمح هذه الهندسة إلى بلورة تصور جديد للتناول البيداغوجي الذي يمكن اعتماده لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة في إطار مشروع التربية الدامجة. ومن ثم، فإن مفهوم هندسات التعلمات ومفهوم المنهاج الدراسي المتكيف والمتلائم مع أصناف الإعاقات تعتبر أدوات مفاهيمية تشكل جزءا من هوية المقاربة التربوية المتوخاة. لذلك فإن تحديدها كمفاهيم مركزية يُطرح كضرورة من أجل توحيد الرؤية والابتعاد عن الخلط ورفع اللبس.
ترتبط هندسة التعلمات بحقل متعدد المناحي والأبعاد، ولأجل ضبط دلالته في هذه الوثيقة، يمكن الاعتماد على التحديدات الآتية:
مفهوم هندسة التعلمات:
وهو اصطلاح بيداغوجي ظهر مع البنائية الجديدة والتيار المعرفي، ويرى أن أي تعلم أو سيرورة اكتسابية إلا وتقترن بمرجعية الخصوصيات السيكولوجية للطفل المتعلم من جهة، وبمرجعية أنواع مضامين التعلمات المراد برمجتها خلال بنى استنادا إلى ُ
هذه السيرورة من جهة أخرى؛ وذلك على أساس أن لكل سيرورة تعليمية تعلمية هندسة محددة خصوصيات الأطفال المتعلمين كفئة مستهدفة، وعلى أساس حاجياتهم ووضعياتهم الصحية والنمائية وأهداف تعلماتهم ونوعية البرمجة قصيرة أو طويلة المدى لزمن هذه التعلمات، والنتائج المتوقعة كمخرجات لهذه السيرورة التعلمية.
إن أية هندسة للتعلمات، هي تخطيط دقيق وبرمجة محددة ومهدفة للتعلمات والاكتسابات المتوافقة والمتكيفة.
مفهوم المنهاج الدراسي:
وهو يحيل على طبيعة الاختيارات التي تقوم بها الأجهزة الرسمية المختصة، لتحديد طبيعة ونوعية مضامين التعلمات المستهدفة، والمراد تقديمها لهذه الفئة أو تلك من المتعلمين المنضوين ضمن إطار سلك تعليمي محدد، أو مستوى دراسي معين.
إن المنهاج هو نسق متكامل من المكونات والعناصر، يخضع في الغالب إلى الضوابط الحقوقية والتشريعية، وبالأخص المحددات السياسية والاجتماعية والثقافية، والموجهات السيكوبيداغوجية المؤطرة للأسلاك التعليمية والمناهج الخاصة بها، ومن ثم البرامج التعليمية المتعلقة بالمستويات الدراسية ضمن أي سلك من أسلاك التعليم.
وهكذا يبقى المنهاج الدراسي مطبوعا بخصوصية السلك والمستوى الدراسي المستهدف، إن على مستوى الأهداف والكفايات المراد بناؤها وتحقيقها عند مخرجات السلك التعليمي، أو على مستوى المضامين والبرامج والتقنيات.
لهذا يمكن اعتبار المنهاج نسقا يتضمن الكفايات والأهداف والمضامين والطرائق والوسائل وأشكال التقويم، وذلك ضمن تصور مترابط بشكل محكم.

الهندسة المنهاجية:
هي الخطة التنظيمية العامة والتصور البيداغوجي الذي يعتمده فرقاء الفعل التربوي من مسؤولين إداريين وتربويين لإنجاح مسار تعليمي/تعلمي محدد، والذي يتضمن المكونات الأساسية التالية:
- تشخيص مواصفات الدخول والولوج إلى السلك التعليمي؛
- تحديد جانبية المتعلم وتشخيص حاجيات التعلم؛
- ضبط وإعداد مرجعيات الكفايات والأهداف التعلمية؛
- ضبط وإعداد مرجعية عدة التعلمات «المجالات والمضامين والبرامج التعليمية ؛»
- ضبط المقاربات التنظيمية والبيداغوجية والديداكتيكية لتدبير التعلمات؛
- ضبط أدوات التقويم بمختلف أنواعه.

مفهوم الإعاقة والطفل في وضعية إعاقة
إن الهندسة المتوخاة في هذا الإطار المرجعي هي هندسة تستهدف جعل الأطفال في وضعية إعاقة يستفيدون من نفس الحقوق في التمدرس التي يستفيد منها زملاؤهم الآخرون. وبالتالي فإنها هندسة ترتكز، بالإضافة إلى المفاهيم السالفة الذكر، على مفهوم الإعاقة وتحديدها.
إن هذا التحديد يفرضه معطى تعدد التعاريف التي حاولت تناول مفهوم الإعاقة. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى مقاربات قدمت تصورات مختلفة لتعريف الإعاقة:

التعريف حسب التصنيف الدولي للإعاقة : CIH/1980

حسب هذا التصنيف، تتحدد الإعاقة كمرض أو اضطراب يؤدي إلى قصور في بعض الأعضاء أو وظائفها، مما ينتج عنه عجز في النشاط أو الأنشطة المتعلقة بهذه الأعضاء. ويؤدي ذلك إلى نقص في الدور الفردي تجاه الذات وداخل المجتمع.
ويعتبر القصور هنا كفقدان أو اختلال هيكلي وظيفي لعضو أو مجموعة من أعضاء الجسم، مما قد يؤدي إلى عجز أي تقليص، جزئي أو كلي، للقدرة على القيام بالنشاط الفردي في حدوده العادية، كعدم القدرة على المشي أو الجري أو النهوض ...إلخ. وغالبا ما تنتج عن هذا عدة أشكال من النقص، بمعنى المنع أو عدم القدرة على القيام بالأدوار الاجتماعية العادية، مثل متابعة الدراسة، أو ممارسة الرياضة، أو الحصول على شغل.

التعريف حسب التصنيف الدولي للوظائف : CIF/2001

يعرف هذا التصنيف الإعاقة باعتبارها ناتجة عن مشاكل صحية )مرض أو اضطراب(، تؤثر على بنية الجسم ووظائفه، وتحد
من نشاط الفرد ''إنجاز عمل، أو تنفيذ مهمة، أو القيام بسلوك إرادي، أو يرتبط بتعليمة، أو في إطار تفاعلي اجتماعي''، وتقلص أو تنقص من إمكانات مشاركته في محيطه البيئي والاجتماعي. 

التعريف حسب سيرورة إنتاج الإعاقة : PPH

ويتحدد تعريفها في الأسباب وعوامل الخطر التي ترتبط بإصابة أو تأثير على سلامة وتطور الشخص )حوادث الولادة – الأمراض الوراثية – الإصابات المرضية عند سن مبكرة – الحوادث الطارئة مثل حوادث السير مثلا...(.، وينتج عن هذه الأسباب نقص أو تغيير جزئي أو كلي في عضو ما، الأمر الذي قد يتحول إلى قصور جسدي أو حسي أو ذهني، قد ينتج عنه ضعف جزئي أو كلي للقدرة الفردية على القيام بنشاط ما، مثل القصور الجسدي الذي يؤدي إلى صعوبة القيام بالحركات، أو القصور البصري الذي يؤدي إلى صعوبة النظر، أو القصور السمعي الذي يؤدي إلى صعوبة السمع، أو القصور الذهني الذي يؤدي إلى صعوبة إنجاز العمليات الذهنية وصعوبة التفكير المنطقي... إلخ.

تعريف منظمة الأمم المتحدة 2006/ONU : 

الإعاقة هي قصور ناتج عن اختلال أو فقدان أو غياب أو اضطراب في الأعضاء الفيزيولوجية أو النفسية وفي وظائفها،
مما ينتج عنه عجز وظيفي: )استحالة أو محدودية القيام بنشاط ما(، وقد تضيف المعيقات الاجتماعية كالقوانين والعوائق المادية في المحيط كانعدام الوسائل والولوجيات...، وعدم تكيف محيط التفاعل الاجتماعي مع خصائص وحاجيات الإعاقة، وحواجز أخرى تحد من إمكانية مشاركة الفرد في المجتمع، كما تنص على ذلك المادة الأولى من اتفاقيات حقوق الأشخاص ذوي إعاقة.
انطلاقا من التعاريف السابقة، يمكن استخلاص أن الطفل في وضعية إعاقة هو ذلك الشخص الذي تعرض لاختلال وظيفي  يزيولوجي أو سيكولوجي أو الاثنين معا، ونتج عن ذلك قصور أو عجز وظيفي أثر على نمو إمكاناته وقدراته الجسدية أو الحسية أو العقلية أو التفاعلية، وعلى كفاياته وقدراته في القيام بالأنشطة الفردية اليومية، الاعتيادية  أو المدرسية أو الأنشطة الحياتية  الاجتماعية الأخرى. إن هذه التعاريف لم تغفل الوسط الاجتماعي والقانوني كمحدد للإعاقة، من خلال ما يتضمنه ذلك الوسط من تمثلات ومعيقات مادية أو اجتماعية أو قانونية، تجعل القصور الجسدي أو الذهني أو النفسي غالبا عنصرا مهمِشا للإمكانيات التي يتوفر عليها الفرد.
ويمكن التأكيد على أن نظرة المجتمعات والمنظمات الدولية على اختلاف أنواعها إلى الطفل في وضعية إعاقة قد حكمتها تاريخيا ثلاثة أنواع من المقاربات، هي:

المقاربة الطبية:

وقد نظرت إلى الإعاقة كاختلال وظيفي جسدي أو ذهني ينتج عنه قصور في الأداء البشري، وهذا الاختلال الذي له أسباب عضوية، قد تكون مرتبطة بالذات أو بالعوامل الخارجية، يستدعي على المستوى الطبي والعلاجي مقاربات متخصصة. أما على المستوى التربوي، فهو يستدعي كذلك مقاربة تربوية تخصصية )التربية المتخصصة Education عنى بتأطير الطفل طبيا لكي يحقق الاستقلالية، ويتمكن من بعض القدرات والمؤهلات والسلوكيات التي ُspécialisée ( تتضمنها التنشئة الاجتماعية.

المقاربة الاجتماعية :

وهي تنظر إلى الإعاقة ليس كموضوع أو ظاهرة طبية، بل كإشكالية تتعلق بالواقع الموضوعي للشخص وبعلاقة محيطه الاجتماعي به. إن الإعاقة، وفق هذا المنظور، لا ينظر إليها كأعراض باثولوجية بل كعوائق اجتماعية. إنها أساسا نتاج للعوائق والحواجز الاجتماعية، من مثل انعدام الإمكانات في التربية الإدماجية أوالدامجة، وعدم توفر الولوجيات، وانعدام تكافؤ الفرص، والحواجز المادية والنفسية والاجتماعية، ووجود تمثلات خاطئة وأشكال التمييز السلبي.

المقاربة الحقوقية:

وترى هذه المقاربة أن الطفل يكون في وضعية إعاقة عندما يتعرض لهضم لحقوقه الإنسانية وللإنصاف. إن إعاقته تبرز عندما يقصى من المدارس، أو يواجه غياب ولوجيات معمارية، أو عدم توفير المعدات الإدماجية، أو يواجه عدم تكييف البرامج المدرسية، أو عندما يفتقر إلى المواكبة الفردية. إن كل هذا يمثل إهانة للكرامة الإنسانية للطفل )وفقا للفقرة الثانية من المادة 2 من العهد الدولي(. وقد يؤدي هذا إلى المس بحقوق هذا الطفل، خاصة الحق في التمدرس، والحق في مناهج تربوية متكيفة وبرامج متلائمة وتربية جامعة كمرتكز قاعدي لحقوق الإنسان. 

أشكال التكفل التربوي بالأطفال في وضعية إعاقة:

تعددت أشكال التكفل في مجال تربية الأطفال في وضعية إعاقة، ويمكن التمييز في هذا الإطار بين ما يأتي:

التربية المتخصصة :Education Spécialisée

شكلت هذه التربية نقلة نوعية متقدمة بالمقارنة مع الأساليب العتيقة التي كانت تعتبر القصور عارا ووصما، مما يؤدي إلى إخفاء الطفل وحجزه بعيدا عن تلقي أي خدمة ملائمة. ويحيل هذا النوع من التربية المتخصصة على المقاربة الطبية التخصصية المركزة على العلاج أو الرعاية الطبيين. كما يرتبط هذا النوع من التكفل برؤية خاصة للسيرورة التربوية التي تربط تربية الطفل بوضعه في مركز أو مؤسسة متخصصة، بحكم أن تلك المؤسسات تكون أكثر ضبطا وتيسيرا لأنواع التدخل الطبي وللطرق التربوية المتخصصة المعتمدة على أدوات أو إجراءات متكيفة حسب كل نوع من أنواع القصور.
تعتمد هذه المراكز المتخصصة على مقاربات وطرق علاجية وبيداغوجية متخصصة، غالبا ما تتجه إلى تدريب الطفل على الاكتسابات الأساسية التي تؤهله للاستقلالية، وتملك السلوكيات المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية، غير أن الجانب الطبي يبقى هو السمة الغالبة على مختلف الأنشطة الممارسة.

التربية الإدماجية :Education Intégratrice

يتجه هذا النمط من التربية إلى اعتماد مقاربة تضمن للأطفال في وضعية إعاقة الحق في التمدرس، وفي مقعد داخل المدرسة العمومية، لكن ضمن أقسام معزولة وببرامج متفاوتة من حيث النوعية والخصوصية والكم والكيف. وغالبا ما تكون هذه الأقسام غير متكيفة من حيث الفضاء والوسائل والولوجيات مع حاجيات وخصوصيات هذه الفئة من الأطفال.
كما أنها لا تعتمد على تنظيم تربوي متكيف مع أنواع الإعاقة، ولا ترتكز على مناهج دراسية ومقاربات بيداغوجية متكيفة ومتلائمة مع إيقاعات التعلم وأنواع القصور لدى الأطفال في وضعية إعاقة.
إن أقسام الإدماج المدرسي CLIS ، كما تم إرساؤها في المدارس المغربية، ليست إلا حجرات دراسية معزولة عن الحياة المدرسية، تم فيها وضع وتجميع أطفال في وضعية إعاقات متفاوتة، وفي الغالب من دون إجراءات التكييف والملاءمة التنظيمية والتربوية، وبالتالي بدون تنظيم أو تأطير بيداغوجي يعتمد على أفق واعد لإنجاح تمدرس هؤلاء الأطفال عبر مسارات الارتقاء المدرسي، كما هو الحال في النموذج المدرسي العادي.
من دون شك، شكلت هذه الأقسام قفزة أخرى ضمن توجه إقرار حق الأطفال في وضعية إعاقة في التعلم وضمن مدرسة عمومية مع ما يرتبط بذلك من تخفيض التكلفة، إلا أنها أبقت على العزل داخل تلك المؤسسات وعانت في غالب الأحيان من التهميش والعشوائية في الاشتغال.

التربية الدامجة :Education Inclusive

تعرف منظمة اليونسكو 10 التربية الدامجة بأنها «تربية مبنية على حق الجميع في تربية ذات جودة تستجيب لحاجات التعلم الأساسية، وتثري وجود المتعلمين. ولأنها تتمحور بالخصوص حول الفئات الهشة، فهي تحاول أن تطور بالكامل إمكانات كل فرد. ولذلك يكون الهدف النهائي للتربية الدامجة ذات جودة هو إنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي .»
وتعرفها منظمة إعاقة دولية Handicap International" 11 " بأنها «تعني نظاما تربويا يأخذ بعين الاعتبار في مجال التعليم والتعلم الاحتياجات الخاصة لكل الأطفال واليافعين الموجودين في وضعية تهميش وهشاشة، بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة. إنها تستهدف إزاحة التهميش عن الجميع وتحسين شروط التربية للجميع .»
إن التربية الدامجة، وفقا لذلك، تخدم أهداف التربية للجميع، وتضمن تكافؤ الفرص بين المتعلمين وتحقيق المساواة عتبر المؤسسة التعليمية عبارة عن فضاء لاستقبال جميع الأطفال كيفما كانوا،َوالإنصاف في التعلم. ومن ثم، فهي تكما تؤكد على أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم أولئك الذين هم في وضعية إعاقة، يستطيعون التعلم بشكل أفضل إن وجدوا في أقسام عادية واشتغلوا وفقا لمشاريع تربوية فردية تأخذ بعين الاعتبار إمكانياتهم أولا،وتراعي قصوراتهم بعد ذلك. إن هذا التصور هو ما سيتحكم بناء هذا الإطار المرجعي وسيؤطر فلسفته ويحدد توجهاته الكبرى.


المحور 2 : التربية الدامجة ومحدداتها البيداغوجية

الاختيارات البيداغوجية وفقا للتربية الدامجة
لقد حددت المنظومة التربوية المغربية اختياراتها في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة في نمط التعليم الدامج Inclusif ، وهو ما يشكل تحولا نوعيا، ويعتبر أمرا ضروريا بالنظر إلى ما يمتلكه المغرب من سياق حقوقي وقانوني ملائم، وما يتوفر عليه من إرادة سياسية لدى صاحب الجلالة في تمتيع هذه الفئة من المواطنين بحقهم في التمدرس بشكل منصف. إن الانتقال من اختيار أقسام الإدماج إلى تبني مقاربة التربية الدامجة يجسد النضج الحقوقي، ويؤكد تنزيل التزامات المغرب عمليا، وتنفيذه لمصادقاته على المواثيق الدولية. وهكذا، فإن إرساء هندسة تعلمات لكل صنف من أصناف الإعاقة ضمن إطار مقاربة التربية الدامجة Education inclusive ينبني على:
- الإقرار بحق كل طفل في تمدرس دامج ومندمج ضمن السياقات العادية للمدرسة العمومية؛
- الارتكاز على أهمية الجمع بين سيرورة التأهيل في مجال التعلمات الأساس، وتلك المرتبطة بالتعلمات الداعمة من أجل الدمج الارتقائي للطفل في مستويات التمدرس؛
- اعتبار كل قسم من أقسام المدرسة العادية قسما دامجا كلما كان فيه طفل في وضعية إعاقة، أو ذو احتياجات خاصة بصفة عامة. هذا الفضاء ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار حالة هذا الطفل، وأن يتعاون فيه مختلف الفاعلين التربويين على صياغة مشروعه الفردي الذي يشكل مكونا من مكونات مشروع الفصل كله؛
- الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الكائنة بين أصناف الإعاقة، ومن ثم فإن هذا الإطار المرجعي سيحاول وضع ملامح هندسة تعلمات بما يتوافق مع إمكانيات كل صنف وطبيعته وقصوراته؛
- اعتماد آليات التكييف والملاءمة على المستويين البيداغوجي والديداكتيكي مع أجرأتها ضمن سياق الإعاقة الواحدة وخصوصياتها وإيقاعاتها في التعلم؛
- تكييف إجراءات بناء المشروع البيداغوجي الفردي PPI على المستويين التنظيمي والتربوي حسب طبيعة كل إعاقة؛
- ضبط وتكييف إجراءات التقويم تحقيقا للإنصاف، من خلال تمكين الطفل من الارتقاء والانتقال عبر مستويات التعليم، اعتمادا على آليات تقويمية ملائمة ومكيفة مع كل صنف من أصناف الإعاقة ضمن مقاربة دامجة.

الخصائص السيكونمائية المرتبطة بالطفل في وضعية إعاقة
يمكن التأكيد على أن هذا المبدأ يعتبر أساسيا بالنظر إلى عامل التفاوت بين أنواع الإعاقات وخصوصياتها وتمظهراتها
من جهة، وبين طبيعة الحاجيات الداعمة وحاجيات التعلم المتعلقة بكل إعاقة على مستوى نمو الطفل من جهة أخرى، بالإضافة إلى المتغيرات المتعلقة بالشروط الموضوعية )الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية الأسرية(. وفي هذا الإطار، لا يمكن المراهنة على حدود للتشابه أو المقارنة بين طفلين في وضعية إعاقة متمدرسين بقسم التربية الدامجة " CEI "، ولو كانا من نفس الإعاقة، وحتى من نفس الدرجة. مما يعني أن كل طفل متمدرس هو حالة خاصة متفردة ومتميزة عن غيرها. لذلك كان لزاما الاستئناس بمبادئ البيداغوجيا الفارقية.
إن الحديث عن كون كل طفل في وضعية إعاقة حالة متفردة تماما كباقي الأطفال الآخرين الذين يسري عليهم هذا المبدأ، يدفع أيضا إلى ضرورة ممارسة بيداغوجية إيجابية تنظر إلى إمكانيات ذلك الطفل قبل الانتباه إلى قصوراته. إن كل طفل، كيفما كانت إعاقته أو اضطرابه، يمتلك منطقة من المعارف والقدرات والإمكانيات المكتسبة التي تسمح بظهور منطقة مجاورة يمكن بلوغها إن مورست الوساطة الناجعة من طرف المتدخلين.
إنه من الضروري الوعي أيضا بأن لكل طفل في وضعية إعاقة زمنه التعلمي الفردي وإيقاعاته الخاصة حسب درجة الإعاقة ونوعيتها والقصورات التي تميزها، مما يستلزم تكييف مكونات الهندسة البيداغوجية للتعلمات مع تلك الإيقاعات.

إن هذه الاعتبارات المشار إليها، تستلزم من الممارسة البيداغوجية الدامجة ما يلي:
- التشخيص الدقيق لحاجيات التعلم، خاصة التعلمات الداعمة، لكل طفل في وضعية إعاقة، وذلك من أجل الوقوف على درجة الاضطراب أو الإعاقة، مع ما يوازي ذلك من رصد للإمكانيات والقدرات المتوفرة لديه، ومن ثم ضبط مجالات التدخل التي يمكن أن يعتمدها المدرس والفريق المتعدد الاختصاصات عند بناء وإعداد مخطط وهندسة التعلمات الخاصة به ''المشروع البيداغوجي الفردي .PPI
- التوفيق بين الحاجيات المشخصة ومرجعية الكفايات الأساس والأهداف التعلمية والاكتسابية، إذ تشكل كفايات المستوى التعليمي مرجعية وفقا لها تحدد مستويات التحقيق بالنسبة لكل طفل في وضعية إعاقة. ويعمل المشروع البيداغوجي الفردي على ترجمة المستوى المأمول أن يبلغه انطلاقا مما يملك ومما لا يملك )إمكانياته، قصوراته(.
- التكييف والملاءمة بين طبيعة مجالات ومضامين التعلمات الأساس والتعلمات الداعمة المقترحة ضمن الهندسة المنهاجية الفرعية.
- ضبط أنواع التعلمات الداعمة التي تبرز حاجة الطفل لها من أجل اكتساب باقي التعلمات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مختلف مكونات التعلمات الداعمة المقترحة في كل هندسة منهاجية فرعية، يجب أن ترتبط بالمقابل مع شروط إنجاح التعلمات الأساس في المدرسة، ذلك أن كل تعلم أساس يفترض اكتساب تعلمات داعمة كقاعدة لتحققه وانبنائه.
- الربط بين التقويم والكفايات المسطرة في المشروع البيداغوجي الفردي. إذا ليس من المنطقي تحديد أهداف معينة بناء على تشخيص لمدخلات الطفل ومحاسبته في التقويم، خاصة الإجمالي، على مدى تحقق أهداف سطرت للآخرين ''أطفال عاديين''.

وضع بنية من الإجراءات البيداغوجية المترابطة
إن الإطار المرجعي لهندسة التعلمات للأطفال في وضعية إعاقة ليس فقط مبادئ وفلسفة، بل هو بالأساس تصور لخطة عملية يمكن تنزيلها عمليا عبر أدوات.تسمح هذه الخطة بمساعدة الفاعلين على تجسيد فلسفة التربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة ضمنأقسام عادية، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومتطلبات وحاجيات إعاقتهم. وإن هذه القناعة تدفع إلى أن تتضمن الهندسة المنهاجية الخطوات الآتية:
- توصيف الإعاقة؛
- ضبط الحاجات في مجال التعلمات الداعمة والتعلمات الأساس؛
- ضبط الكفايات المستعرضة التي تنطبق أبعادها ومجالاتها وعناصرها الفرعية على كل أصناف الإعاقات، من منطلق أن كل طفل في وضعية إعاقة معني بتحقيق هذه الكفايات المستعرضة من أجل ضمان مسار تمدرسي دامج وناجح في المدرسة؛
- استحضار الكفايات الأساس والقدرات المستهدفة الخاصة بكل مجال تعلمي للانطلاق منها في التعلمات الأساس؛
- تحديد أنماط التعلمات الأساس، أو بعض النماذج منها، لكي يتمكن الفاعل التربوي من أن يبلور على قاعدتها مختلف مكونات المشروع البيداغوجي الفردي . PPI
- اقتراح أنماط التعلمات الداعمة، التي ينبغي أن تواكب وتدعم كل نوع من التعلمات الأساس؛
- اقتراح الطرائق البيداغوجية الكفيلة بتكييف التدبير وتجسيد المشروع البيداغوجي الفردي عمليا: بيداغوجيا المشروع، بيداغوجيا اللعب....

التربية الدامجة كمشروع مجتمعي
ليست التربية الدامجة عملية تقنية أو إدارية فقط، ولا هي إجراء يتم من طرف شخص واحد في فضاء محدد. إنها مشروع مجتمعي ينخرط فيه الجميع، ويهم البلاد بأسرها بحكم ما تتشكل عنه من فلسفة اجتماعية قوامها التضامن والعيش المشترك وتقبل الآخر.
وهكذا فإن هذا المشروع المجتمعي الشامل يسمح بتوليد مشاريع فرعية، يرتبط كل واحد منها بفاعل أو مؤسسة كما يبرز ذلك الشكل الآتي:

إن هذه البنية من المشاريع التي تشكل المشروع المجتمعي، والتي ينبغي أن تتميز بالتكامل والانسجام، تستلزم تصورا متكاملا يتجاوز مجرد إجراءات ديداكتيكية إلى عملية تتعبأ لها كل الأطراف التي لها علاقة ما بالإطفال في وضعية إعاقة، بمن في ذلك زملاؤهم «العاديون »، وآباؤهم، والسياسيون ذوو القرار، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، والمؤسسات الحقوقية، بالإضافة إلى المعنيين المباشرين بالتربية الدامجة :المدرسون والمديرون وآباء الأطفال في وضعية إعاقة....
إن تكاثف كل هؤلاء حول هذا المشروع المجتمعي يأتي من كون التربية الدامجة تستلزم ليس فقط ممارسات جديدة،بل أساسا تغيرا في القناعات وفي الاتجاهات، وهو أمر لا يمكن أن يتم من دون تعبئة واشتغال على الذات الاجتماعية.
إن علاقة نقطة الاستهداف la cible التي تجمع كل تلك المشاريع *كل مشروع هو في الواقع جزء من مشروع يتضمنه(تبرز ذلك الترابط القوي بين مختلف أنواع المشاريع الدامجة. إن النزول من مشروع وطني )مجتمعي* إلى مشروع جهوي أو إقليمي *مشروع الأكاديمية، المديرية الإقليمية*، إلى مشروع المدرسة، فالفصل الدراسي، فالمشروع الفردي، مع مواكبة مشروع الأسرة والجميعية، إن هذا النزول يخضع لمبدأ الاشتقاق نزولا والبناء صعودا. وهي جدلية ينبغي وعيها حفاظا على حظوظ نجاح المشروع المجتمعي، وتأمينا لتيسير تنزيله واقعيا.

المحور 3 : المشروع التربوي الدامج كآلية لتنزيل التربية الدامجة بالمؤسسة
مشروع المؤسسة الدامجة:PEI
تختلف المدرسة الدامجة كلية عما كان متعارف عليه بالنسبة للمدارس ذلات قسم الإدماج. فإذا كان هذا النوع الأخير يطالب الطفل في وضعية الإعاقة بأن يتكيف مع برامج المدرسة، أو بالأصح أن يتهيأ لكي يتكيف معها، فإن المدرسة الدامجة تستند إلى مبدأ مخالف يتجلى في كونها هي من يتكيف مع إمكانيات وحاجات الطفل، فتغير من مخططاتها التربوية الموجهة لفائدته بما يراعي تلك الإمكانيات.
إن مدرسة ذات مشروع دامج هي مدرسة كل أقسامها منفتحة على استقبال أطفال ذوي احتياجات خاصة، وليست مؤسسة تجمع الأطفال في وضعية إعاقة ضمن قسم واحد يكون هاجسه الأساسي هو حراستهم، أو في أحسن الأحوال محاولة إكسابهم تعلمات بسيطة قد لا تساعد على تطوير إمكاناتهم غير الموظفة.
إن مشروع المؤسسة الدامجة هو مشروع يعتمد أربعة محددات:
• محدد مبدئي، ويتجلى في الإيمان بأن لكل طفل مكانه ضمن المؤسسة مع باقي زملائه الآخرين كيفما كانت حاجاته وإمكانياته )المدرسة للجميع(؛
• محدد تقني، يرتكز على توفير الإمكانيات المادية والتقنية الكفيلة بمساعدة كل تلميذ)ة( على التعلم وفقا لما تؤهله إمكانياته لذلك. وتتجلى تلك الإمكانيات في معطيات لوجيستيكية )الولوجيات المادية(، ومعطيات تقنية )التوفر على العُدد والأدوات الديداكتيكية المتكيفة(؛
• محدد تكويني، ويتعلق بمختلف التكوينات حول التربية الدامجة وطبيعتها التي يمكن أن تقدم للمدرسين والإداريين وللآباء وجمعياتهم ومختلف المتدخلين في إطار فضاء التأهيل والدعم السيكوبيداغوجي؛
• محدد بيداغوجي، يبرز من خلال وضع هندسة دامجة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم الأطفال في وضعية إعاقة، وذلك عن طريق صياغة مشاريع أقسام بيداغوجية تتضمن مشاريع فردية تحدد فيها الكفايات المتوخاة بالنسبة لهؤلاء الأطفال، وكيفية تكييف المضامين المقدمة للقسم بالنسبة لهم، وطريقة تقويمهم التي تأخذ بعين الاعتبار وتيرتهم في التعلم وفي الإنجاز.
وهكذا يمكن لمشروع المدرسة الدامجة أن يتجاوز أسوار المؤسسة ليطال المحيط المباشر لها، وذلك من خلال تحولها إلى مركز إشعاع يروم التعبئة الجماعية حول التربية الدامجة، من خلال التوعية والعمل على تغيير الاتجاهات والمواقف من الإعاقة، وتشجيع الأسر على تسجيل أطفالها الذين يوجدون ضمن وضعية إعاقة.
إن مشروع المدرسة الدامجة هو مشروع عرضاني transversal يستحضر في كل إجراء، إداريا كان أو بيداغوجيا أو تقنيا، وجود ذلك الطفل)ة(، أو أولئك الأطفال الذين يتواجدون بالمؤسسة، والذين بحكم وضعيتهم وحاجياتهم الخاصة يستلزمون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة قدراتهم ووتيرتهم وحاجياتهم البيداغوجية والسيكولوجية والتقنية. إن عرضانية المشروع الدامج تعني أن تصبح التربية الدامجة حاضرة في مختلف المشاريع المصاغة والمدبرة ضمن المؤسسة، وليست مشروعا هامشيا يمكن أن ينكص بالتجربة إلى مقاربة أقسام الإدماج التي بينت التجربة الوطنية والتجارب الدولية قصورها على مستوى تطوير تعلمات المستفيدين ونماء شخصيتهم في إطار من التفاعل الكامل مع أقرانهم في الفصول الدراسية العادية.
والخطاطة أسفله تحاول تقريب الصورة أكثر عن مشروع المؤسسة الدامج، وكيف يأخذ الطفل)ة( في وضعية إعاقة داخله مكانه بكامل الحضور بما يطور قدراته ويساهم في نمو شخصيته برمتها

مشروع القسم الدامج :PCIٌ
للانتقال من مقاربة أقسام الإدماج المدرسي CLIS إلى مقاربة التربية الدامجة، ينبغي أن تتحول كل االعمومية إلى فضاءات مرشحة لاستقبال بعض الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم الأطفال في وضعية إعاقة.هذا الأمر يستلزم أن تكون لتلك المؤسسات )إدارة ومدرسون وجمعية الآباء( تصورات واضحة عن طبيعة ودلالة مشروع القسم الدامج. إن القسم الدامج هو فضاء مدرسي يمكن أن يتضمن طفلا أو أكثر لديه حاجيات خاصة. يكون هذا الطفل من حقه الاستفادة من نفس العرض المقدم لباقي زملائه «العاديين »، لكن بصيغة متكيفة مع قدراته وبطرق وتقنيات تراعي طبيعة إعاقته.
ولكي توفر تلك البنية المدرسية الشروط الضرورية لتعلم الجميع، بمن فيهم ذلك الطفل ذو الاحتياجات الخاصة، يلزم توفير بعض الوسائل الميسرة لولوجه إلى التعلم، سواء ما ارتبط بالبنيات المادية واللوجستيكية، أو بالتيسيرات البيداغوجية، أو التقبل الاجتماعي. إن هذا التيسير هو جوهر مبدأ الإنصاف الذي يختلف في هذه الحالة عن مبدأ المساواة.
وبحكم أن كل الأقسام مرشحة لأن تستقبل مثل هؤلاء الأطفال انطلاقا من حقهم في أن يتسجلوا بالمدرسة الأقرب إلى سكنى أسرهم، فإن عددهم سيكون قليلا جدا داخل القسم الواحد، مما سيسمح للمدرسين المكونين وفق منطق التربية الدامجة بأن يبنوا معهم مشاريع بيداغوجية فردية من دون إرهاق كبير.
فعلى خلاف أقسام الإدماج CLIS ، التي كان يتم فيها تجميع عدد من هؤلاء الأطفال ومن دون منهاج محدد، ستخضع أقسام التربية الدامجة إلى إشراف إداري للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وللمديرية الإقليمية ولهيئة التفتيش ولمدير المؤسسة؛ وسيخضع كل أطفاله، بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة، لتنظيم تربوي يندرج ضمن إطار مشروع المؤسسة الدامجة، الذي يشرف عليه المدير بتعاون مع مجلس التدبير وباقي المجالس التربوية والتعليمية بالمؤسسة.
يستفيد الطفل في وضعية إعاقة من إمكانية المراوحة بين زمن التمدرس وبين حصص التعلمات الداعمة المقدمة التي يمكن أن تتضمنها الحياة المدرسية، أو داخل قاعة الموارد للتأهيل والدعم 12 بتعاون مع متدخلين خارجيين، أو مع أطر المؤسسة المتخصصين )الفرق الطبية وشبه الطبية، منشطو الحياة المدرسية، أطر جمعوية متخصصة...(، وذلك وفقا لتنظيم زمني يقترحه الفريق المتعدد الاختصاصات المشرف على هذا الجانب، وبتنسيق وإشراف من الفريق التربوي.
التقويم المتعلقة بالمراقبة المستمرة، والتقويم النهائي المحدد لقرار الانتقال إلى مستوى أعلى.


المشروع البيداغوجي الفردي PPI
يشكل المشروع البيداغوجي الفردي PPI أحد الأساليب الأكثر نجاعة في مجال التربية والتعليم. وبالرغم من التنصيص في كثير من الأحيان على أهمية ذلك، بل وعلى ضرورته بالنسبة لتعليم الأطفال في وضعية إعاقة، إلا أن هذا الأسلوب لم يتبلور ولم يتجسد في الممارسة، مما جعل هؤلاء الأطفال يخضعون، كباقي الأطفال العاديين إلى الأسلوب الجمعي المرتكز على خطاب واحد موجه إلى أفراد مختلفين من حيث مُدخلاتهم ووتائر تعلمهم وشخصياتهم وأساليبهم المعرفية، أو إلى نوع من الممارسات التربوية التي لا ترتكز سوى على الحدس يغيب فيها التهديف وتفتقر إلى خطة تدريسية مبنينة وواضحة .

لذلك يتبنى الإطار المرجعي الحالي هذا الإجراء، بحكم انسجامه مع فلسفة التربية الدامجة. إن التربية الدامجة، كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا، تربية تؤمن بحظ كل تلميذ(ة)، كيفما كانت إمكانياته وطبيعته، في أن يتمدرس وفق تقنيات تسمح بتفتيق الإمكانيات التي يتوفر عليها، وتتيح القدرة على تطويرها وتعزيزها.

ولكي تنسجم هذه التربية داخل الفصل الواحد مع كل الأطياف، وخاصة بعض الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن المدرس(ة)يكون مطالبا ببناء مشاريع فردية تأخذ بعين الاعتبار تلك الاختلافات والفروق.
يبنى هذا المشروع على أساس مجموعة من الخطوات والإجراءات البيداغوجية والديداكتيكية. ويساهم المدرس(ة)والفريق المتعدد الاختصاصات، والأسرة، وجمعيات المجتمع المدني، في هذا البناء وفي صياغة مختلف مكوناته، وذلك تحت إشراف مدير المؤسسة والمفتش(ة)التربوي .
يرتكز المشروع البيداغوجي الفردي، كأي مشروع، على أربع مراحل هي: التشخيص، والتخطيط، والتدبير، والتقويم.
-    يشكل تحديد المدخلات منطلق بناء المشروع الفردي، وينطلق من عملية التشخيص الطبي وشبه الطبي لطبيعة الإعاقة وأنواع القصور، ومن عملية التشخيص البيداغوجي الذي يرصد ما يمتلكه الطفل من إمكانيات ومعارف سابقة ومهارات. يسمح هذه التشخيص بالإجابة عن سؤال مركزي في المشروع يمكن صياغته كالآتي: انطلاقا من إمكانيات التلميذ(ة)، وأخذا بعين الاعتبار قصوره ومرجعية الكفايات المحددة للمستوى التعليمي الذي يوجد به، ما هي أقصى الإمكانيات التي يمكن أن يبلغها هذه السنة مع استحضار أيضا إمكانيات المؤسسة//مهارات المتدخلين، الإمكانيات المادية والتنظيمية، مستوى التعاون الممكن بين الأطراف  إلخ...//؟
-    إن هذا التشخيص يمكّن من تحديد الكفايات والأهداف التعلمية المؤطرة للتعلمات داخل كل مشروع بيداغوجي فردي بحسب طبيعة الإعاقة،  وبحسب إيقاعات التعلم لدى الطفل(ة)،  وبالمنطق الزمني التربوي المتوافق معه. هذا الإجراء يشكل بداية مرحلة التخطيط التي تعمل على ترجمة الكفايات والأهداف إلى مضامين ملائمة، وطرائق وتقنيات متكيفة بحسب صنف الإعاقة، ووسائل يسهل الولوج إليها من طرف التلميذ(ة)في وضعية إعاقة واستخدامها. كما تشمل هذه المرحلة تخطيطا لأصناف التقويم وتقنياته التي يمكن أن تجيب عن مدى تحقق النتائج المسطرة ضمن الأهداف.
-    يتضمن المشروع البيداغوجي الفردي في الأخير عملية التقويم التي ترمي أساسا إلى الإجابة عن سؤال يتعلق بمدى تحقق النتائج المرجوة، وفي ذلك يمكن اتباع الأنواع المختلفة من التقويم التي ينبغي أن تتلوها عمليات المعالجة في حال ظهور مكامن خلل أو عدم تحقق الأهداف. وهذه التقويمات ينبغي أن تكون ملائمة ومتكيفة، وتراعي إمكانيات التلميذ(ة)الذي يختلف من حيث وتيرة تعلمه واستجابته عن وتيرة نظيره الطفل ‹›العادي.››

قاعة الموارد للتأهيل والدعم  

إذا كان منطق الاشتغال في مجال التربية الدامجة يقتضي، منذ البداية، تسجيل الطفل(ة)في وضعية إعاقة في قسم دراسي عاد مع نظرائه الأطفال «العاديين»، مع الاستفادة من تدخل مكيف بحسب مشروعه البيداغوجي الخاص، فإن الرعاية الشاملة لهذا الطفل(ة)تستلزم دعم تعلماته الأساسية بإمداده ببعض  العادات الفكرية والمهارات السلوكية التي تؤهله أكثر لمتابعة الأنشطة التربوية والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن. وفي هذا الإطار، تُطرح الحاجة إلى تعزيز إمكانات الأطفال في وضعية إعاقة المسجلين بالمدارس الدامجة بإحداث فضاء يرتادونه بين الحين والآخر لتأهيلهم ودعم قدراتهم الجسمية والنفسية والاجتماعية.  

مبررات قاعة الموارد

للأطفال في وضعيات إعاقة حاجيات خاصة يعسر أحيانا لأقسام التربية الدامجة أن تستجيب لها بالكفاية اللازمة، وذلك للاعتبارات الآتية:
-    معادلة عدد تلاميذ القسم الواحد والزمن المدرسي المخصص//زمن التعلم//، الأمر الذي لا يسمح للأطفال في وضعية إعاقة من أن يستفيدوا بالقدر المطلوب من التمرينات التي تؤهلهم لمسايرة متطلبات المدرسة بشكل سلس ومن دون إرهاق.
-    بعض حاجيات الأطفال في وضعية إعاقة لا يمكن إشباعها أو الاستجابة لها داخل قسم التربية الدامجة لأنها خاصة، أو ذات طابع تقني تستلزم تجهيزات أو أدوات. من ذلك بعض التجهيزات الطبية أو شبه الطبية أو تقنيات لا يتسع فضاء القسم العادي لها.
-    بعض مدرسي أقسام التربية الدامجة، رغم تكوينهم، لا يتقنون بالشكل الكافي بعض التقنيات الخاصة، مما يفرض تخصيص مربين خاصين يشتغلون على تطوير بعض الكفايات الداعمة التي تسمح بتوفير إمكانيات تشكل الكفايات الأساس المطلوبة في التعلم، وامتلاك مهارات التعلم العادية//لغة الإشارة، تقنية برايل، تقنيات الترويض الطبي أو شبه الطبي، تطوير بعض الكفايات السيكواجتماعية.//...
-    بعض التلاميذ في وضعية إعاقة قد يحتاجون إلى بعض الإجراءات البيداغوجية الداعمة من أجل القدرة على المسايرة والاستمرار في التعلم. ومثل تلك الإجراءات تستلزم اشتغالا بيداغوجيا خاصا للدعم، كما يفرض اشتغالا مع الأسر من أجل دعم مشروع الأسرة الدامج.

طبيعة قاعة الموارد

إن استخدام مصطلح قاعة هنا له دلالته، فالأمر هنا لا يتعلق بالانحصار في قسم مغلق قد ينكص بالتجربة إلى مرحلة أقسام الإدماج CLIS، بل إن التصور المنسجم مع فلسفة التربية الدامجة يفرض أن يشكل هذا الفضاء مجالا داعما لا أساسيا، لأن الأساسي هو قسم التربية الدامجة، حيث يشتغل الطفل مع زملائه من غير ذوي الإعاقة على أنشطة مشتركة، لكن متكيفة بحسب الحاجة.
إن التركيز على مصطلح قاعة للتأهيل يحيل هنا على الشساعة والانفتاح. لذلك ينبغي أن يندرج في هذا الفضاء كل ما يمكن أن يقدم خدمات الدعم والتأهيل، ومن ذلك:
-    بنية للموارد والتي يمكنها أن تكون تطويرا لأقسام الإدماج التي ستتحول، حسب مقارية التربية الدامجة، من قسم للحراسة إلى مجال لبعض التعلمات الخاصة//تقنيات، مهارات خاصة تستجيب لحاجات كل نمط من أنماط الإعاقة.//
-    الأندية التعليمية وأنشطة الحياة المدرسية//نادي المسرح، الرياضة، الرسم والإبداع، نادي البيئة، نادي المواطنة، إلخ...//؛
-    المرافق الطبية وشبه الطبية التي يؤطرها متخصصون ضمن شراكات مع وزارة الصحة أو المراكز المختصة أو القطاع الخاص أو الجمعيات؛
-    قاعات الإنصات والدعم النفسي المخصصة للأطفال ولأسرهم، والتي يمكن أن يساهم فيها سيكولوجيون أو مساعدات اجتماعيات أو أطر متدربة من جمعيات المجتمع المدني، مما يجعل المدرسة تنفتح على محيطها فتجعله محيطا دامجا، وتحقق بذلك واحدا من مقومات التربية الدامجة كمشروع مجتمعي شامل؛
-    مرافق خارج المدرسة من خلال زيارات أو فترات استئناس يقضيها التلميذ(ة)في بعض المؤسسات أو المرافق لتعلم الحياة عبر الحياة.

أنشطة قاعة الموارد

تتوزع أنشطة قاعة الموارد للتأهيل والدعم إلى ثلاثة مجالات كبرى يرتبط تنوع نشاطها بحسب الإمكانيات المادية والأطر المشاركة ونوعية الشراكات المعقودة، وهي كالآتي:

مجال الدعم الطبي وشبه الطبي، ويمكن أن يتضمن الأنشطة الآتية:

-    التشخيص الطبي الأولي للتعرف على نوعية الإعاقة ودرجتها وإمكانيات التلميذ وحاجاته//بناء ملف طبي متكامل//؛
-    التتبع الطبي؛
-    الترويض الطبي؛
-    خدمات تقويم النطق؛
-    تطوير المقومات السيكوحركية وتركيز الانتباه.

مجال الدعم السيكولوجي والسيكوسيولوجي،

ويمكن أن يتضمن أنشطة موجهة للتلميذ(ة)وأخرى للآباء:
-    الدعم النفسي والاشتغال على تقدير الذات وتقبلها؛
-    دعم وتطوير آليات الاشتغال المعرفي؛
-    دعم انفتاح الشخصية وتدبير العلاقات والمشاعر والانفعالات؛
-    مساعدة الآباء على تطوير الوالدية الإيجابية؛
-    المساعدة على تحقيق مشروع الأسرة الدامج عبر الدعم النفسي للأسرة//جلسات الإنصات الفعال، اجتماعات أخذ الكلمة.//...

مجال الدعم البيداغوجي، 

ويتضمن أنشطة ترتبط بالدعم التقني من أجل القدرة على التعامل مع أنشطة قسم التربية الدامجة باليسر الممكن، ومن ذلك:
-    اكتساب تقنيات مرتبطة بالمهارات الحركية والحسية//لغة الإشارة، تقنية براي،. ..//؛
-    أنشطة الإيقاظ الذهني، وذلك لتهييء التلميذ للمعارف التي سينخرط فيها ضمن القسم الدامج؛
طريقة الاشتغال في قاعة الموارد للتأهيل والدعم
بحكم صعوبة توفير قاعة موارد للتأهيل والدعم  في كل مدرسة//التي هي مدرسة دامجة من حيث المبدأ//، وبحكم أن عدد التلاميذ في وضعية إعاقة سيشكلون عددا قليلا بحكم توزعهم على كل المدراس وفقا لقربها من محل سكناهم، وتجميعا للإمكانيات والموارد، يتم استثمار وجود المدرسين الحاليين العاملين بأقسام الإدماج// CLIS// من أجل أن تتحول تلك الأقسام إلى نقطة مركزية لهذا الفضاء يقوم فيها المدرسون الذين تكفلوا بتدبيرها سابقا بالتحول إلى مشرفين ومساهمين في تدبير أنشطة هذا الفضاء.
-    يتم الاشتغال ضمن هذا الفضاء باحترام لحاجات كل تلميذ وانسجاما مع مشروعه البيداغوجي الفردي.
-    يرتكز الاشتغال على وضع برنامج محدد واستعمال زمن خاص يجمع بين الاشتغال داخل قسم التربية الدامجة وبين أنشطة قاعة الموارد للتأهيل.
-    يتم وضع ذلك البرنامج من طرف لجنة تنسيق تشمل مدرس(ة) أو مدرسي قسم التربية الدامجة،  ومدير(ة)المؤسسة، والمفتش(ة)، ومختلف المتدخلين الطبيين وشبه الطبيين، وبمشاركة أسرة الطفل، وممثل(ة)الجمعية المواكبة.
-    تقوم هذه اللجنة بمواكبة وتتبع تطبيق البرنامج وبالتدخل لاقتراح تعديله أو تطويره وفقا لمعطيات التقويم المرحلي.
-    يتم توثيق عملية التتبع من خلال بطاقة شخصية تحدد الأهداف والأنشطة والنتائج، مع إبراز الملاحظات والتعديلات التي تم إدخالها على البرنامج.

ملحوظة:

يمكن لقاعة الموارد للتأهيل والدعم أن يستفيد منها كذلك التلاميذ الذين يعانون من صعوبات تعلم حادة من دون أن يكونوا من فئة الأطفال في وضعية إعاقة.


التعليقات




// يوسف الضعيف //جميع الحقوق محفوظة

فضاء التربية الدامجة

2019